تستلزم الصياغة الجيدة للعقد التفكير في موضوعه تمهيدا لتحديد مفرداته من ناحية والحرص على أن تكون الصياغة صحيحة وواضحة وكاملة من ناحية أخري، وهو ما يستدعي الالتزام ببعض المبادئ في مرحلة التحضير ومرحلة الكتابة النهائية على النحو التالي تفصيله.
لعل أول عمل يتعين أن يقوم به المكلف بصياغة العقد هو التعرف على رغبة العميل تمهيدا للتفكير في أنسب الحلول المحققة لهذه الرغبة وهذا يتطلب من العميل الإفصاح عن كل الوقائع المفيدة. ولما كان العميل لا يعرف كل العناصر الواجب أن يتضمنها المحرر المطلوب صياغته فيجب على القائم بالصياغة أن يطلب منه المعلومات التي يراها لازمة لتحديد موضوع الصياغة.وفي جميع الأحوال يجب ألا يشرع المحامي في صياغة أي معاملة دون أن يتوافر لدية حد ادني من المعلومات والتخصص، فاذا كان موضوع العقد المطلوب صياغته هو توزيع سلعة معينة في بلد معين فيجب أن يحصل القائم بالصياغة على معلومات من طرفي المعاملة لتحديد القالب القانوني الملائم لوضع هذا الغرض موضع التنفيذ، وفي هذه الحالة يختار القائم بالصياغة بين عدة عقود مثل الوكالة التجارية والتوزيع والتمثيل التجاري.وربما كان من المفيد أن يعرض القائم بالصياغة علي العميل قائمة معدة سلفا (check-list) تتضمن رؤوس موضوعات المحرر المراد صياغته لكي يقدم العميل معلوماته واقتراحاته بشأنها. وينصح القائم بالصياغة أن توخي التبسيط في مناقشته الأفكار القانونية مع العميل ليقف على معناها وأثارها وليستطيع بالتالي أن يحدد ما إذا كان استخدامها يتفق مع رغبته.ويجب أن يلفت نظر العميل إلي ما قد يوجد تعارض بين رغباته ونصوص القانون، والي المشاكل القانونية التي قد تعترض صياغة رغباته والبدائل المتاحة للتغلب عليها.
من المفيد أن يضع المكلف بالصياغة مسودة تتضمن عناصر المحرر المطلوب صياغته، ويجب أن يكون هيكل المسودة من السعة بحيث يمكن تضمينها موضوعات المحرر المطلوب في ترتيب منطقي ،لهذا فانه إذا كان من الشائع لدي المكلفين بالصياغة الرجوع إلى نماذج العقود المتداولة فيجب الحرص على عدم التقيد بهذه النماذج لدي إعداد مسودة العقد المطلوب صياغته الذي قد يتطلب الحذف أو الإضافة من تلك النتائج.وتظهر أهمية البدء بإعداد مسودة في أنها تضيء الطريق أمام المكلف بصياغة المحرر النهائي عن أفضل ترتيب لعناصره وإقامة التناسق بينها، كما أنها ترشده إلى عناصر أخري ربما فاتت عليه إذا بادر إلى صياغة المحرر مباشرة، الأمر الذي يكفل في النهاية إمكان بناء المحرر بناء منطقيا وإخراجه في الشكل المطلوب.
ينصرف الاهتمام في هذه المرحلة إلى شكل المحرر وأسلوب صياغته، ويكفينا أن نشير هنا إلى أن خير معين للتقيد بهذه القواعد، مثل الوضوح وتواصل الأفكار والبساطة والتنظيم الدقيق والانسجام الداخلي، هو أن يبادر المكلف بالصياغة بتنقيح المسودة وصياغة مفرداتها كل على ورقة مستقلة بحيث يمكن تعديلها ومن ثم تجميعها في تسلسلها في الكتابة الثانية.
لا شك أن مراجعة الصياغة المبدئية سوف تتيح للقائم بالصياغة تكملة ما قد يكشفه من نقص في موضوعها وإزالة ما يكتنفها من عيوب تتعلق بالتنظيم الداخلي من ناحية وسوف تمكنه من تهذيب النص وإدخال ما يراه كفيلا بإخراجه في صورة جمالية مقبولة من ناحية أخري، فمراجعة الصياغة من أكثر من شخص أو المواجهة بينهم، كثيرا ما تكون مثمرة، ولا توجد قاعدة موحدة يحدد بها عدد مرات إعادة الصياغة، ولكن أهمية وضخامة موضوع المحرر تتطلب من المحرر التدقيق في مراجعته، ويراعي لدي المراجعة عدم التخلص من الكتابة الأولي فقد تحتاج إليها فيما بعد عند المقارنة بينها وبين الصياغة النهائية، لذلك يجب وضع تاريخ علي كل منها.
تتطلب الصياغة الجيدة فحص كل أجزاء العقد ومتطلباته وما يثيره كل جزء من مشاكل، فمثلا بند الإتاوة (Royalty) في عقد تراخيص التصنيع أو استغلال البراءات؛ حيث يجب أن يجرب التعرض لكيفية حسابها وعلاقة هذا الحساب بالضرائب التي تستحق عليها وعلاقته بالحد الأدنى المضمون بموجب العقد لمقابل استغلال البراءة وغير ذلك من المسائل التي تثيرها في العقد محل الصياغة.وهكذا في مرحلة المراجعة يجب البحث عن حلول للمشاكل أو المصاعب التي تبرز في هذا الصدد، ويجب عدم الانتقال إلى الجزء التالي في العقد قبل معالجة كل ما يحتمل أن يثيره الجزء محل المراجعة من مشاكل.
وفي هذه المرحلة يجب أن يقوم الصائغ بفحص العقد ووثائقه فحصا شاملا بغرض كفالة التناسق بين أجزاءه والترابط بينها ، ولهذا يجب مراجعة الحالة بين أجزاء العقد وبنوده، كذلك الأمر بالنسبة لبند التعاريف حيث يجب مراجعة مدي تطابق الكلمات المعرفة بصدر العقد مع استخدامها في أجزائه، وبالتالي عمل اللازم لإزالة ما قد يظهر من اختلاف بين التعريف وبين استخدامه في صلب العقد، وفي هذه الخطوة من المراجعة يجب التأكد من وجود التناسق في استخدام فواصل الكلام وفي تسلسل الأجزاء وترقيم البنود.
يجب أن يراعي القائم بالصياغة، في مراجعة صياغة العقد مدي استجابتها لرغبة العميل، وهو يستطيع تحقيقا لهذه الغاية، أن يضع أمامه عدة تساؤلات يحاول البحث لها عن إجابات في الصياغة القائمة ليعدلها بما يوافق الغاية المذكورة، ويتعين أن يراعي في هذه الخطوة انسياب الأفكار القانونية وتسلسلها تسلسلا منطقيا، وبالتطبيق لذلك يسأل القائم بالصياغة نفسه وهو بصدد مراجعتها عما إذا كان مجملها يعكس الغاية من التعاقد ويعبر عن رغبة العميل، وهل يوجد ثمة انقطاع غير طبيعي في انسياب الأفكار، هل تفقد الوثيقة لجزء مكمل أو متمم أو مرتبط بأجزائها الأخرى مثل هل تتضمن الصياغة ما يفيد في تحديد وقت انتهاء العقد؟ثم على القائم بالصياغة أن يستعرض الاعتبارات التي يمكن أن يكون لها أثر على مدي قبول العميل للوثيقة مما يتعلق مثلا بشكلها وحجمها، وبالتالي يجب على القائم بالصياغة أن يكون صادقا مع نفسه، فاذا لاحظ أي نقص أو عيب في الصياغة فلا يستنكف الرجوع إلى الخطوات السابقة للبحث عن مكمن النقص والعيب في محاولة إصلاحه، وهو في سعية لذلك يمكنه الاستعانة برأي الغير في الصياغة، حيث إن عرضها على شخص أخر يعطي الفرصة لاكتشاف ما بها من عيوب.